الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَلَا نِيَّةَ لِلنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ الشرح: قوله: (باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه) أي من التعليقات لا يقع شيء منها إلا بالقصد، وكأنه أشار إلى رد ما روي عن مالك أنه يقع الطلاق والعتاق عامدا كان أو مخطئا ذاكرا أو ناسيا، وقد أنكره كثير من أهل مذهبه، قال الداودي: وقوع الخطأ في الطلاق والعتاق أن يريد أن يلفظ بشيء غيرهما فيسبق لسانه إليهما، وأما النسيان ففيما إذا حلف ونسي. قوله: (ولا عتاقة إلا لوجه الله) سيأتي في الطلاق نقل معنى ذلك عن علي رضي الله عنه، وفي الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا " لا طلاق إلا لعدة، ولا عتاق إلا لوجه الله " وأراد المصنف بذلك إثبات اعتبار النية، لأنه لا يظهر كونه لوجه الله إلا مع القصد، وأشار إلى الرد على من قال: من أعتق عبده لوجه الله أو الشيطان أو للصنم عتق لوجود ركن الإعتاق، والزيادة على ذلك لا تخل بالعتق. قوله: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكل امرئ ما نوى) هو طرف من حديث عمر، وقد ذكره في الباب بلفظ " وإنما لامرئ ما نوى " واللفظ المعلق أورده في أول الكتاب حيث قال فيه: " وإنما لكل امرئ ما نوى " وأورده في أواخر الإيمان بلفظ " ولكل امرئ ما نوى " و " إنما " فيه مقدرة. قوله: (ولا نية للناسي والمخطئ) وقع في رواية القابسي " الخاطئ " بدل المخطئ، قالوا: المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره والخاطئ من تعمد لما لا ينبغي. وأشار المصنف بهذا الاستنباط إلى بيان أخذ الترجمة من حديث " الأعمال بالنيات " ويحتمل أن يكون أشار بالترجمة إلى ما ورد في بعض الطرق كعادته، وهو الحديث الذي يذكره أهل الفقه والأصول كثيرا بلفظ " رفع الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " أخرجه ابن ماجة من حديث ابن عباس، إلا أنه بلفظ " وضع " بدل " رفع " وأخرجه الفضل بن جعفر التيمي في فوائده بالإسناد الذي أخرجه به ابن ماجة بلفظ " رفع " ورجاله ثقات، إلا أنه أعل بعلة غير قادحة، فإنه من رواية الوليد عن الأوزاعي عن عطاء عنه، وقد رواه بشر بن بكر عن الأوزاعي فزاد " عبيد بن عمير " بين عطاء وابن عباس أخرجه الدار قطني والحاكم والطبراني. وهو حديث جليل، قال بعض العلماء: ينبغي أن يعد نصف الإسلام، لأن الفعل إما عن قصد واختيار أو لا، الثاني ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه فهذا القسم معفو عنه باتفاق وإنما اختلف العلماء: هل المعفو عنه الإثم أو الحكم أو هما معا؟ وظاهر الحديث الأخير، وما خرج عنه كالقتل فله دليل منفصل، وسيأتي بسط القول في ذلك في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى. وتقدير قوله: " ولكل امرئ ما نوى " يعتد لكل امرئ ما نوى، وهو يحتمل أن يكون في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط وبحسب هذين الاحتمالين وقع الاختلاف في الحكم. الحديث: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ الشرح: قوله: (عن زرارة بن أوفى) يأتي في الأيمان والنذور بلفظ " حدثنا زرارة " وهو من ثقات التابعين، كان قاضي البصرة، وليس له في البخاري إلا أحاديث يسيرة. قوله: (ما وسوست به صدورها) أتي في الطلاق بلفظ " ما حدثت به أنفسها " وهو المشهور، و " صدورها " في أكثر الروايات بالضم، وللأصيلي بالفتح على أن وسوست مضمن معنى حدثت، وحكى الطبري هذا الاختلاف في " حدثت به أنفسها " والضم كقوله تعالى: قوله: (ما لم تعمل أو تكلم) ويأتي في النذور بلفظ " ما لم تعمل به " والمراد نفي الحرج عما يقع في النفس حتى يقع العمل بالجوارح، أو القول باللسان على وفق ذلك. والمراد بالوسوسة تردد الشيء في النفس من غير أن يطمئن إليه ويستقر عنده، ولهذا فرق العلماء بين الهم والعزم كما سيأتي الكلام عليه في حديث " من هم بحسنة"، ومن هنا تظهر مناسبة هذا الحديث للترجمة، لأن الوسوسة لا اعتبار لها عند عدم التوطن فكذلك المخطئ والناسي لا توطن لهما، وزاد ابن ماجة عن هشام بن عمار عن ابن عيينة في آخره " وما استكرهوا عليه " وأظنها مدرجة من حديث آخر، دخل على هشام حديث في حديث. قيل: لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الترجمة في النسيان والحديث في حديث النفس، وأجاب الكرماني بأنه أشار إلى إلحاق النسيان بالوسوسة فكما أنه لا اعتبار للوسوسة لأنها لا تستقر فكذلك الخطأ والنسيان لا استقرار لكل منهما، ويحتمل أن يقال: إن شغل البال بحديث النفس ينشأ عن الخطأ والنسيان، ومن ثم رتب على من لا يحدث نفسه في الصلاة ما سبق في حديث عثمان في كتاب الطهارة من الغفران. (تنبيه) : ذكر خلف في " الأطراف " أن البخاري أخرج هذا الحديث في العتق عن محمد بن عرعرة عن شعبة عن قتادة، ولم نره فيه، ولم يذكره أبو مسعود ولا الطوقي ولا ابن عساكر، ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم، وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ الشرح: قوله: (عن سفيان) هو الثوري. قوله: (الأعمال بالنية ولامرئ ما نوى) كذا أخرجه بحذف إنما في الموضعين، وقد أخرجه أبو داود عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه فقال: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى". قوله: (إلى دنيا) في رواية الكشميهني " لدنيا " وهي رواية أبي داود المذكورة، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في أول الكتاب، ويأتي بقية منه في ترك الحيل وغيره إن شاء الله تعالى. *3* الشرح: قوله: (باب إذا قال) أي الشخص (لعبده) وفي رواية الأصيلي وكريمة " إذا قال رجل لعبده". (هو لله ونوى العتق) أي صح. قوله: (والإشهاد في العتق) قيل هو بجر الإشهاد، أي وباب الإشهاد في العتق، وهو مشكل لأنه إن قدر منونا احتاج إلى خبر، وإلا لزم حذف التنوين من الأول ليصح العطف عليه وهو بعيد، والذي يظهر أن يقرأ " والإشهاد " بالضم فيكون معطوفا على باب لا على ما بعده، وباب بالتنوين، ويجوز أن يكون التقدير: وحكم الإشهاد في العتق، قال المهلب لا خلاف بين العلماء إذا قال لعبده هو لله ونوى العتق أنه يعتق، وأما الإشهاد في العتق فهو من حقوق المعتق، وإلا فقد تم العتق وإن لم يشهد. قلت: وكأن المصنف أشار إلى تقييد ما رواه هشيم عن مغيرة " أن رجلا قال لعبده أنت لله، فسئل الشعبي وإبراهيم وغيرهما فقالوا: هو حر " أخرجه ابن أبي شيبة، فكأنه قال محل ذلك إذا نوى العتق، وإلا فلو قصد أنه لله بمعنى غير العتق لم يعتق. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا أَقْبَلَ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ وَمَعَهُ غُلَامُهُ ضَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَأَقْبَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلَامُكَ قَدْ أَتَاكَ فَقَالَ أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ حُرٌّ قَالَ فَهُوَ حِينَ يَقُولُ يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ الشرح: قوله: (عن إسماعيل) هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، ورجاله كوفيون إلا الصحابي. قوله: (لما أقبل يريد الإسلام) ظاهره أنه لم يكن أسلم بعد. قوله: (ومعه غلامه) لم أقف على اسمه. قوله: (ضل كل واحد) أي ضاع. قوله: (فهو حين يقول) أي الوقت الذي وصل فيه إلى المدينة، وقوله في الطريق الثانية (قلت في الطريق) أي عند انتهائه، وظاهره أن الشعر من نظم أبي هريرة، وقد نسبه بعضهم إلى غلامه حكاه ابن التين، وحكى الفاكهي في " كتاب مكة " عن مقدم بن حجاج السوائي أن البيت المذكور لأبي مرثد الغنوي في قصة له، فعلى هذا فيكون أبو هريرة قد تمثل به. قوله في الشعر (يا ليلة) كذا في جميع الروايات. قال الكرماني: ولا بد من إثبات فاء أو واو في أوله ليصير موزونا، وفيه نظر لأن هذا يسمى في العروض الخرم بالمعجمة المفتوحة والراء الساكنة، وهو أن يحذف من أول الجزء حرف من حروف المعاني، وما جاز حذفه لا يقال لا بد من إثباته، وذلك أمر معروف عند أهله. قوله: (وعنائها) بفتح العين وبالنون والمد أي تعبها، و (دارة الكفر) الدارة أخص من الدار، وقد كثر استعمالها في أشعار العرب كقول امرئ القيس: ولا سيما يوما بدارة جلجل. الحديث: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ قَالَ وَأَبَقَ مِنِّي غُلَامٌ لِي فِي الطَّرِيقِ قَالَ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايَعْتُهُ فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلَامُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلَامُكَ فَقُلْتُ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْتَقْتُهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ لَمْ يَقُلْ أَبُو كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حُرٌّ الشرح: قوله (حدثنا عبيد الله بن سعيد) هو أبو قدامة السرخسي كذا في جميع الروايات التي اتصلت لنا " عبيد الله " بالتصغير، وفي " مستخرج أبي نعيم ": أخرجه البخاري عن أبي سعيد الأشج، وأبو سعيد اسمه عبد الله مكبر فهذا محتمل، وذكر أبو مسعود وخلف أنه أخرجه هنا عن عبيد بن إسماعيل، وعبيد بغير إضافة ممن يروي في البخاري عن أبي أسامة، إلا أن الذي وقفت عليه هو الذي قدمت ذكره والله أعلم. قوله: (وأبق) بفتح الموحدة وحكى ابن القطاع كسرها. قوله: (قلت هو حر لوجه الله فأعتقه) أي باللفظ المذكور، وليس المراد أنه أعتقه بعد ذلك، وهذه الفاء هي التفسيرية. قوله: (لم يقل أبو كريب عن أبي أسامة حر) وصله في أواخر المغازي فقال: " حدثنا محمد بن العلاء وهو أبو كريب حدثنا أبو أسامة " وساق الحديث وقال في آخره: " هو لوجه الله فأعتقه " وكذا أخرجه أحمد بن حنبل ومحمد بن سعد عن أبي أسامة. وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجهين عن أبي أسامة ليس فيه " حر " وكذا أخرجه أبو نعيم من وجهين عن أبي أسامة أثبت قوله " حر " في أحدهما، ووقع في بعض النسخ من البخاري " هو حر لوجه الله " وهو خطأ ممن ذكره عن البخاري في هذه الرواية لتصريحه بنفيه عن شيخه بعينه. الحديث: حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ لَمَّا أَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَعَهُ غُلَامُهُ وَهُوَ يَطْلُبُ الْإِسْلَامَ فَضَلَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِهَذَا وَقَالَ أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ لِلَّهِ الشرح: قوله (فضل أحدهما صاحبه) بالنصب على نزع الخافض، وأصله " من صاحبه " كما في الطريق الأولى، ولو كانت أضل معداة بالهمز لم يحتج إلى تقدير، وقد ثبت كذلك في بعض الروايات، وفي الحديث استحباب العتق عند بلوغ الغرض والنجاة من المخاوف، وفيه جواز قول الشعر وإنشاده والتمثل به والتألم من النصب والسهر وغير ذلك. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّهَا الشرح: قوله: (باب أم الولد) أي هل يحكم بعتقها أم لا؟ أورد فيه حديثين وليس فيهما ما يفصح بالحكم عنده، وأظن ذلك لقوة الخلاف في المسألة بين السلف، وإن كان الأمر استقر عند الخلف على المنع حتى وافق في ذلك ابن حزم ومن تبعه من أهل الظاهر على عدم جواز بيعهن ولم يبق إلا شذوذ. قوله: (وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: من أشراط الساعة أن تلد الأمة ربها) تقدم موصولا مطولا في كتاب الإيمان بمعناه، وتقدم شرحه هناك مستوفى، وأن المراد بالرب السيد أو المالك، وتقدم أنه لا دليل فيه على جواز بيع أم الولد ولا عدمه، قال النووي: استدل به إمامان جليلان أحدهما على جواز بيع أمهات الأولاد والآخر على منعه، فأما من استدل به على الجواز فقال: ظاهر قوله: " ربها " أن المراد به سيدها لأن ولدها من سيدها ينزل منزلة سيدها لمصير مال الإنسان إلى ولده غالبا، وأما من استدل به على المنع فقال: لا شك أن الأولاد من الإماء كانوا موجودين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أصحابه كثيرا، والحديث مسوق للعلامات التي قرب قيام الساعة، فدل على حدوث قدر زائد على مجرد التسري. قال: والمراد أن الجهل يغلب في آخر الزمان حتى تباع أمهات الأولاد فيكثر ترداد الأمة في الأيدي حتى يشتريها ولدها وهو لا يدري، فيكون فيه إشارة إلى تحريم بيع أمهات الأولاد، ولا يخفى تكلف الاستدلال من الطرفين، والله أعلم. ثم أورد المصنف حديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة، وسيأتي شرحه في كتاب الفرائض، والشاهد منه قول عبد بن زمعة " أخي ولد على فراش أبي " وحكمه صلى الله عليه وسلم لابن زمعة بأنه أخوه، فإن فيه ثبوت أمية أم الولد، ولكن ليس فيه تعرض لحريتها ولا لإرقاقها، إلا أن ابن المنير أجاب بأن فيه إشارة إلى حرية أم الولد لأنه جعلها فراشا فسوى بينها وبين الزوجة في ذلك، وأفاد الكرماني أنه رأى في بعض النسخ في آخر الباب ما نصه " فسمى النبي صلى الله عليه وسلم أم ولد زمعة أمة ووليدة فدل على أنها لم تكن عتيقة " أ هـ. فعلى هذا فهو ميل منه إلى أنها لا تعتق بموت السيد، وكأنه اختار أحد التأويلين في الحديث الأول، وقد تقدم ما فيه. قال الكرماني: وبقية كلامه لم تكن عتيقة من هذا الحديث، لكن من يحتج بعتقها في هذه الآية: قال الكرماني: كأنه أشار إلى أن تقرير النبي صلى الله عليه وسلم عبد بن زمعة على قوله: " أمة أبي " ينزل منزلة القول منه صلى الله عليه وسلم، ووجه الدلالة مما قال أن الخطاب في الآية للمؤمنين، وزمعة لم يكن مؤمنا فلم يكن له ملك يمين فيكون ما في يده في حكم الأحرار. قال: ولعل غرض البخاري أن بعض الحنفية لا يقول: إن الولد في الأمة للفراش، فلا يلحقونه بالسيد، إلا إن أقر به، ويخصون الفراش بالحرة، فإذا احتج عليهم بما في هذا الحديث أن الولد للفراش قالوا: ما كانت أمة بل كانت حرة، فأشار البخاري إلى رد حجتهم هذه بما ذكره. وتعلق الأئمة بأحاديث أصحها حديثان: أحدهما حديث أبي سعيد في سؤالهم عن العزل كما سيأتي شرحه في كتاب النكاح، وممن تعلق به النسائي في السنن فقال: " باب ما يستدل به على منع بيع أم الولد " فساق حديث أبي سعيد، ثم ساق حديث عمرو بن الحارث الخزاعي كما سيأتي في الوصايا، قال: " ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا ولا أمة " الحديث، ووجه الدلالة من حديث أبي سعيد أنهم قالوا: " إنا نصيب سبايا فنحب الأثمان، فكيف ترى في العزل "؟ وهذا لفظ البخاري كما مضى في " باب بيع الرقيق " من كتاب البيوع؛ قال البيهقي: لولا أن الاستيلاء يمنع من نقل الملك وإلا لم يكن لعزلهم لأجل محبة الأثمان فائدة. وللنسائي من وجه آخر عن أبي سعيد " فكان منا من يريد أن يتخذ أهلا، ومنا من يريد البيع، فتراجعنا في العزل " الحديث. وفي رواية لمسلم " وطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل " وفي الاستدلال به نظر، إذ لا تلازم بين حملهن وبين استمرار امتناع البيع، فلعلهم أحبوا تعجيل الفداء وأخذ الثمن، فلو حملت المسبية لتأخر بيعها إلى وضعها. ووجه الدلالة من حديث عمرو بن الحارث أن مارية أم ولده إبراهيم كانت قد عاشت بعده، فلولا أنها خرجت عن الوصف بالرق لما صح قوله: " أنه لم يترك أمة"، وقد ورد الحديث عن عائشة أيضا عند ابن حبان مثله، وهو عند مسلم لكن ليس فيه ذكر الأمة، وفي صحة الاستدلال بذلك وقفة، لاحتمال أن يكون نجز عتقها، وأما بقية أحاديث الباب فضعيفة، ويعارضها حديث جابر " كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبي صلى الله عليه وسلم حي لا يرى بذلك بأسا " وفي لفظ " بعنا أمهات الأولاد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فلما كان عمر نهانا فانتهينا " وقول الصحابي: " كنا نفعل " محمول على الرفع على الصحيح، وعليه جرى عمل الشيخين في صحيحهما ولم يستند الشافعي في القول بالمنع إلا إلى عمر فقال: قلته تقليدا لعمر. قال بعض أصحابه: لأن عمر لما نهى عنه فانتهوا صار إجماعا، يعني فلا عبرة بندور المخالف بعد ذلك، ولا يتعين معرفة سند الإجماع. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنْ يَقْبِضَ إِلَيْهِ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ قَالَ عُتْبَةُ إِنَّهُ ابْنِي فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْفَتْحِ أَخَذَ سَعْدٌ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلَ مَعَهُ بِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ابْنُ أَخِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَخِي ابْنُ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَإِذَا هُوَ أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ مِمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ وَكَانَتْ سَوْدَةُ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (أخذ سعد ابن وليدة) سعد بالرفع والتنوين وابن منصوب على المفعولية ويكتب بالألف، وقوله: " هو لك يا عبد بن زمعة " برفع عبد ويجوز نصبه، وكذا ابن، وكذا قوله يا سودة بنت زمعة. (تنبيهان) أحدهما وقع في نسخة الصغاني هنا " قال أبو عبد الله يعني المصنف: سمى النبي صلى الله عليه وسلم أم ولد زمعة أمة ووليدة فلم تكن عتيقة لهذا الحديث، ولكن من يحتج بعتقها في هذه الآية: الثاني ذكر المزي في " الأطراف " أن البخاري قال عقب طريق شعيب عن الزهري هذه " وقال الحديث عن يونس عن الزهري " ولم أر ذلك في شيء من نسخ البخاري، نعم ذكر هذا التعليق في " باب غزوة الفتح " من كتاب المغازي مقرونا بطريق مالك عن الزهري والله أعلم. الشرح: قوله: (باب بيع المدبر) أي جوازه، أو ما حكمه؟ وقد تقدمت هذه الترجمة بعينها في كتاب البيوع، وأورد هنا حديث جابر مختصرا جدا، وقد تقدم شرحه مستوفى هناك. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنَّا عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فَبَاعَهُ قَالَ جَابِرٌ مَاتَ الْغُلَامُ عَامَ أَوَّلَ الشرح: قوله: (أعتق رجل منا عبدا له) لم يقع واحد منهما مسمى في شيء من طرق البخاري، وقد قدمت في البيوع أن في رواية مسلم من طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر " أن رجلا من الأنصار يقال له أبو مذكور أعتق غلاما له عن دبر يقال له يعقوب " ففيه التعريف بكل منهما، وله من رواية الليث عن أبي الزبير أن الرجل كان من بني عذرة، وكذا للبيهقي من طريق مجاهد عن جابر، فلعله كان من بني عذرة وحالف الأنصار. قوله: (فدعا النبي صلى الله عليه وسلم) حذف المفعول. وفي رواية أيوب المذكورة " فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يشتريه " أي الغلام. قوله: (فاشتراه نعيم بن عبد الله) في رواية ابن المنكدر عن جابر كما مضى في الاستقراض " نعيم بن النحام " وهو نعيم بن عبد الله المذكور، والنحام بالنون والحاء المهملة الثقيلة عند الجمهور، وضبطه ابن الكلبي بضم النون وتخفيف الحاء، ومنعه الصغاني، وهو لقب نعيم، وظاهر الرواية أنه لقب أبيه، قال النووي: وهو غلط لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " دخلت الجنة فسمعت فيها نحمة من نعيم " ا ه. وكذا قال ابن العربي وعياض وغير واحد، لكن الحديث المذكور من رواية الواقدي وهو ضعيف، ولا ترد الروايات الصحيحة بمثل هذا، فلعل أباه أيضا كان يقال له النحام. والنحمة بفتح النون وإسكان المهملة: الصوت وقيل السعلة وقيل النحنحة. ونعيم المذكور هو ابن عبد الله بن أسيد بن عبد بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي، وأسيد وعبيد وعويج في نسبه مفتوح أول كل منها، قرشي عدوي أسلم قديما قبل عمر فكتم إسلامه، وأراد الهجرة فسأله بنو عدي أن يقيم على أي دين شاء لأنه كان ينفق على أراملهم وأيتامهم ففعل، ثم هاجر عام الحديبية ومعه أربعون من أهل بيته، واستشهد في فتوح الشام زمن أبي بكر أو عمر. وروى الحارث في مسنده بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه صالحا، وكان اسمه الذي يعرف به نعيما. قوله: (قال جابر مات الغلام عام أول) يأتي في الأحكام من رواية حماد عن عمرو " سمعت جابرا يقول عبدا قبطيا مات عام أول " زاد مسلم من طريق ابن عيينة عن عمرو " في إمارة ابن الزبير " وقد تقدم في " باب بيع المدبر " من البيوع نقل مذاهب الفقهاء في بيع المدبر، وأن الجواز مطلقا مذهب الشافعي وأهل الحديث، وقد نقله البيهقي في " المعرفة " عن أكثر الفقهاء، وحكى النووي عن الجمهور مقابله وعن الحنفية والمالكية أيضا تخصيص المنع بمن دبر تدبيرا مطلقا، أما إذا قيده - كأن يقول: إن مت من مرضي هذا ففلان حر - فإنه يجوز بيعه لأنها كالوصية فيجوز الرجوع فيها، وعن أحمد يمتنع بيع المدبرة دون المدبر، وعن الليث يجوز بيعه إن شرط على المشتري عتقه، وعن ابن سيرين لا يجوز بيعه إلا من نفسه، ومال ابن دقيق العيد إلى تقييد الجواز بالحاجة فقال: من منع بيعه مطلقا كان الحديث حجة عليه لأن المنع الكلي يناقضه الجواز الجزئي. ومن أجازه في بعض الصور فله أن يقول: قلت بالحديث في الصورة التي ورد فيها، فلا يلزمه القول به في غير ذلك من الصور. وأجاب من أجازه مطلقا بأن قوله: " وكان محتاجا " لا مدخل له في الحكم، وإنما ذكر لبيان السبب في المبادرة لبيعه ليتبين للسيد جواز البيع، ولولا الحاجة لكان عدم البيع أولى. وأما من ادعى أنه إنما باع خدمته كما تقدمت حكايته في الباب المذكور فقد أجيب عنه بما تقدم، وهو أنه لا تعارض بين الحديثين، وبأن المخالفين لا يقولون بجواز بيع خدمة المدبر، وقد اتفقت طرق رواية عمرو بن دينار عن جابر أيضا على أن البيع وقع في حياة السيد، إلا ما أخرجه الترمذي من طريق ابن عيينة عنه بلفظ " أن رجلا من الأنصار دبر غلاما له فمات ولم يترك مالا غيره " الحديث، وقد أعله الشافعي بأنه سمعه من ابن عيينة مرارا لم يذكر قوله: " فمات"، وكذلك رواه الأئمة أحمد وإسحاق وابن المديني والحميدي وابن أبي شيبة عن ابن عيينة، ووجه البيهقي الرواية المذكورة بأن أصلها " أن رجلا من الأنصار أعتق مملوكه إن حدث به حادث فمات، فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فباعه من نعيم " كذلك رواه مطر الوراق عن عمرو، قال البيهقي: فقوله فمات من بقية الشرط، أي فمات من ذلك الحدث، وليس إخبارا عن أن المدبر مات، فحذف من رواية ابن عيينة قوله: " إن حدث به حدث " فوقع الغلط بسبب ذلك والله أعلم ا هـ. وقد تقدم الجواب عما وقع من مثل ذلك في رواية عطاء عن جابر من طريق شريك عن سلمة بن كهيل في الباب المذكور والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب بيع الولاء وهبته) أي حكمه، والولاء بالفتح والمد: حق ميراث المعتق من المعتق بالفتح. أورد فيه حديث ابن عمر المشهور، وسيأتي شرحه في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى مع توجيه عدم صحة بيعه من دلالة النهي المذكور. وحديث عائشة في قصة بريرة وسيأتي بعد عشرة أبواب. ووجه دخوله في الترجمة من قوله في أصل الحديث " فإنما الولاء لمن أعتق " وهو إن كان لم يسقه هنا بهذا اللفظ فكأنه أشار إليه كعادته، ووجه الدلالة منه حصره في المعتق فلا يكون لغيره معه منه شيء، قال الخطابي: لما كان الولاء كالنسب كان من أعتق ثبت له الولاء كمن ولد له ولد ثبت له نسبه؛ فلو نسب إلى غيره لم ينتقل نسبه عن والده، وكذا إذا أراد نقل ولائه عن محله لم ينتقل. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ الشرح: قوله: (باب بيع الولاء وهبته) أي حكمه، والولاء بالفتح والمد: حق ميراث المعتق من المعتق بالفتح. أورد فيه حديث ابن عمر المشهور، وسيأتي شرحه في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى مع توجيه عدم صحة بيعه من دلالة النهي المذكور. وحديث عائشة في قصة بريرة وسيأتي بعد عشرة أبواب. ووجه دخوله في الترجمة من قوله في أصل الحديث " فإنما الولاء لمن أعتق " وهو إن كان لم يسقه هنا بهذا اللفظ فكأنه أشار إليه كعادته، ووجه الدلالة منه حصره في المعتق فلا يكون لغيره معه منه شيء، قال الخطابي: لما كان الولاء كالنسب كان من أعتق ثبت له الولاء كمن ولد له ولد ثبت له نسبه؛ فلو نسب إلى غيره لم ينتقل نسبه عن والده، وكذا إذا أراد نقل ولائه عن محله لم ينتقل. الحديث: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ فَأَعْتَقْتُهَا فَدَعَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَيَّرَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَقَالَتْ لَوْ أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا ثَبَتُّ عِنْدَهُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا الشرح: قوله: (باب بيع الولاء وهبته) أي حكمه، والولاء بالفتح والمد: حق ميراث المعتق من المعتق بالفتح. أورد فيه حديث ابن عمر المشهور، وسيأتي شرحه في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى مع توجيه عدم صحة بيعه من دلالة النهي المذكور. وحديث عائشة في قصة بريرة وسيأتي بعد عشرة أبواب. ووجه دخوله في الترجمة من قوله في أصل الحديث " فإنما الولاء لمن أعتق " وهو إن كان لم يسقه هنا بهذا اللفظ فكأنه أشار إليه كعادته، ووجه الدلالة منه حصره في المعتق فلا يكون لغيره معه منه شيء، قال الخطابي: لما كان الولاء كالنسب كان من أعتق ثبت له الولاء كمن ولد له ولد ثبت له نسبه؛ فلو نسب إلى غيره لم ينتقل نسبه عن والده، وكذا إذا أراد نقل ولائه عن محله لم ينتقل. *3* وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا وَكَانَ عَلِيٌّ لَهُ نَصِيبٌ فِي تِلْكَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي أَصَابَ مِنْ أَخِيهِ عَقِيلٍ وَعَمِّهِ عَبَّاسٍ الشرح: قوله: (باب إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادي) بضم أوله وفتح الدال. قوله: (إذا كان مشركا) قيل إنه أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف الحديث الوارد فيمن ملك ذا رحم فهو حر، وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من حديث الحسن عن سمرة، واستنكره ابن المديني، ورجح الترمذي إرساله. وقال البخاري لا يصح. وقال أبو داود: تفرد به حماد وكان يشك في وصله، وغيره يرويه عن قتادة عن الحسن قوله وعن قتادة عن عمر قوله منقطعا أخرج ذلك النسائي، وله طريق أخرى أخرجه أصحاب السنن أيضا - إلا أبا داود - من طريق ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر وقال النسائي منكر. وقال الترمذي خطأ. وقال جمع من الحفاظ دخل لضمرة حديث في حديث، وإنما روى الثوري بهذا الإسناد حديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته، وجرى الحاكم وابن حزم وابن القطان على ظاهر الإسناد فصححوه، وقد أخذ بعمومه الحنفية والثوري والأوزاعي والليث. وقال داود لا يعتق أحد على أحد، وذهب الشافعي إلى أنه لا يعتق على المرء إلا أصوله وفروعه، لا لهذا الدليل بل لأدلة أخرى، وهو مذهب مالك وزاد الإخوة حتى من الأم، وزعم ابن بطال أن في حديث الباب حجة عليه، وفيه نظر لما سأذكره. قوله: (وقال أنس قال العباس فاديت نفسي وفاديت عقيلا) هو طرف من حديث أوله " أتي النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فقال: انثروه في المسجد " وقد تقدم في " باب القسمة وتعليق القنو في المسجد " من كتاب الصلاة. قوله: (وكان علي) أي ابن أبي طالب (له نصيب في تلك الغنيمة التي أصاب من أخيه عقيل ومن عمه العباس) هو كلام المصنف ساقه مستدلا به على أنه لا يعتق بذلك، أي فلو كان الأخ ونحوه يعتق بمجرد الملك لعتق العباس وعقيل على علي في حصته من الغنيمة. وأجاب ابن المنير عن ذلك أن الكافر لا يملك بالغنيمة ابتداء، بل يتخير الإمام بين القتل أو الاسترقاق أو الفداء أو المن، فالغنيمة سبب إلى الملك بشرط اختيار الإرقاق، فلا يلزم العتق بمجرد الغنيمة، ولعل هذا هو النكتة في إطلاق المصنف الترجمة، ولعله يذهب إلى أنه يعتق إذا كان مسلما ولا يعتق إذا كان مشركا وقوفا عندما ورد به الخبر. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ فَقَالَ لَا تَدَعُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا الشرح: قوله: (حدثنا إسماعيل بن عبد الله) هو ابن أبي أويس. قوله: (إن رجالا من الأنصار) لم أعرف أسماءهم الآن. قوله: (لابن أختنا) بالمثناة (عباس) هو ابن عبد المطلب، والمراد أنهم أخوال أبيه عبد المطلب، فإن أم العباس هي نتيلة بالنون والمثناة مصغرة بنت جنان بالجيم والنون، وليست من الأنصار، وإنما أرادوا بذلك أن أم عبد المطلب منهم، لأنها سلمى بنت عمرو بن أحيحة بمهملتين مصغر وهي من بني النجار، ومثله ما وقع في حديث الهجرة أنه صلى الله عليه وسلم نزل على أخواله بني النجار، وأخواله حقيقة إنما هم بنو زهرة وبنو النجار أخوال جده عبد المطلب. قال ابن الجوزي: صحف بعض المحدثين لجهله بالنسب فقال: " ابن أخينا " بكسر الخاء بعدها تحتانية، وليس هو ابن أخيهم، إذ لا نسب بين قريش والأنصار، قال: وإنما قالوا ابن أختنا لتكون المنة عليهم في إطلاقه بخلافه ما لو قالوا عمك لكانت المنة عليه صلى الله عليه وسلم، وهذا من قوة الذكاء وحسن الأدب في الخطاب، وإنما امتنع صلى الله عليه وسلم من إجابتهم لئلا يكون في الدين نوع محاباة. وسيأتي مزيد في هذه القصة في الكلام على غزوة بدر إن شاء الله تعالى. وأراد المصنف بإيراده هنا الإشارة إلى أن حكم القرابة من ذوي الأرحام في هذا لا يختلف من حكم القرابة من العصبات. والله أعلم. الشرح: قوله: (باب عتق المشرك) يحتمل أن يكون مضافا إلى الفاعل أو المفعول، وعلى الثاني جرى ابن بطال فقال لا خلاف في جواز عتق المشرك تطوعا، وإنما اختلفوا في عتقه عن الكفارة، وحديث الباب في قصة حكيم بن حزام حجة في الأول، لأن حكيما لما أعتق وهو كافر لم يحصل له الأجر إلا بإسلامه فمن فعل ذلك وهو مسلم لم يكن بدونه بل أولى ا هـ. وقال ابن المنير: الذي يظهر أن مراد البخاري أن المشرك إذا أعتق مسلما نفذ عتقه وكذا إذا أعتق كافرا فأسلم العبد، قال: وأما قوله: " أسلمت على ما سلف لك من خير " فليس المراد به صحة التقرب منه في حال كفره، وإنما تأويله أن الكافر إذا فعل ذلك انتفع به إذا أسلم لما حصل له من التدرب على فعل الخير فلم يحتج إلى مجاهدة جديدة، فيثاب بفضل الله عما تقدم بواسطة انتفاعه بذلك بعد إسلامه انتهى. وقد قدمت لذلك أجوبة أخرى في كتاب الزكاة مع الكلام على بقية فوائد الحديث المذكور. الحديث: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْتَقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ رَقَبَةٍ وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ فَلَمَّا أَسْلَمَ حَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ وَأَعْتَقَ مِائَةَ رَقَبَةٍ قَالَ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا يَعْنِي أَتَبَرَّرُ بِهَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ الشرح: قوله: (أن حكيم بن حزام أعتق) طاهر سياقه الإرسال لأن عروة لم يدرك زمن ذلك، لكن بقية الحديث أوضحت الوصل وهي قوله: " قال فسألت " ففاعل قال هو حكيم، فكأن عروة قال: قال حكيم، فيكون بمنزلة قوله: عن حكيم، وقد أخرجه مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام فقال: " عن أبيه عن حكيم". قوله: (أتبرر بها) بالموحدة وراءين الأولى ثقيلة، أي أطلب بها البر وطرح الحنث، وقد تقدم نقل الخلاف في ضبطه في الزكاة. وقوله: " يعني أتبرر " هو من تفسير هشام بن عروة راويه كما ثبت عند مسلم والإسماعيلي، وقصر من زعم أنه تفسير البخاري.
|